اللغة الشعرية في القصيدة العمانية
اللغة الشعرية في القصيدة العُمَانية
أبجديات الخطاب الشعري وآليّات التأويل
عائشة السيفية نموذجًا
ناصر أبو عون
منهجية القراءة / الإبداع
نميل في قراءة للمنتوج الشعري لعائشة السيفية وفق تيار المنظور الثالث الذي لا يمجّد (المحتوى) ولا يقدّس (الشكل)، بل يقرأ النصوص سواء أكانت إبداعية أو نقدية انطلاقاً من اعتبار النص جسداً كاملاً معقّداً، حتى لو تبدّى أمامنا بسيطاً.
واتكاءً على ماهية الشعر التي اتخذتها عائشة السيفية قانونا صارما تُسيّر القصيدة وفقَ منطقيته الفنية تلك الوظيفة التي يكون فيها هذا النوع الرفيع من الأدب (محاولة عمادُها الكلمات للإيحاء بالكينونة الإنسانية في حركتها الوجودية المهتزة مع اهتزاز الكلمة وصمتها).
وحين لا يكون الشاعر قادراً بوسائله الفنية والمعرفية الخاصة على ملامسة شيء من هذا التصور الصعب وذلك الفهم الوجودي الشامل لوظيفة الشعر، لا يبقى ثمة مجالٍ كبير للاستماع إليه أو الإبقاء عليه في (جمهورية الشعر)، اللهم إلا إذا اقتنعنا منه بدور المصلح الاجتماعي والأخلاقي الذي يتفق الجميع على أن لا علاقة وثيقة له بما نسميه (شعراً) في هذا العصر.
إذا كانت الحقول السيميولوجية بعلاماتها متعددة الإحاطة في الفضاء المسرحي والفضاء الدرامي فإنها صعبة الإحاطة، وخاصة في نسق القول الشعري، وخاصة في نسق الشعر الغنائي ولكن ما يقرّب السيميولوجية إلى الإفهام أنها نظام بحثي مفتوح، وأنها تلغي الحدود بين الحقول المعرفية، وتنظر إلى العالم بصفته علامات دالة، وهذا يشمل الحياة كافة وبكل مافيها من أنظمة ومشاهد.
والفضاء (مكفِ) مكوِّن أساسي من مكونات الخطاب الشعري، وهو حقل معرفي يستهدف تحليل مواضع الذوات والأطر المكانية للمواضع لإنتاج المعنى والخبرة الجمالية، والفضاء في القصيدة الغنائية اتصال وتواصل بين المرسل والمتلقي من خلال عنصرين هامين، هما أفق التوقعات أو (الكودا /(ملُ) الأولية وأفق التجربة أو (الكودا الثانوية) التي يلح عليها القارئ، ولذلك علينا أن نتوقف
عائشة بين عصرين
كانت الأجواء التي وُلِدت فيها مدرسة الحر العربية الأولى على يد الرواد الأُوَل أقل فداحةً من تلك التي عاشها ولا يزال يعيشها جيل عائشة السيفية فإذا كانت الحرب العالمية الثانية واتفاقية سايكس بيكو مزقت أوصال العالم العربي فإن عائشة شاهد على شاشات التلفزة في بث مباشر مجنزرات التتار الجُدد تجتاح أسوار بغداد والقنابل الانشطارية والذكية تلتهم أجساد الأطفال والنساء في جنوب لبنان وتناحر واقتتال الفصائل الفلسطينية خلف الجدار الفاصل في غزة.
وأضحى واقع التطور التكنولوجي يطرح عليهم دوماً أسئلة مقلقة ، ومحشورا بين تجربة الشاعر الحديث الذي يجد نفسه مضطراً، أكثر من ذي قبل، للنظر في الأشياء في جملتها وتجنُّب الغرق في الوفرة الثقافية الخادعة والوقوع في مطب التجزئة القاتلة للمعارف والأنواع الأدبية والاختصاصات الضيّقة التي يفرضها التقدم العلمي المطرّد وواقع تقسيم العمل واستخدام الآلة على نطاق واسع، وغير ذلك من حقائق تجعل من الصعب على الإنسان أن يحتفظ بسلامه الداخلي والانسجام الضروري مع نفسه والوحدة الداخلية التي يؤلف البحث عنها مرتكزاً أساسياً من مرتكزات الرؤية الشعرية الحديثة
نموذج س. موريه
تكتب عائشة قصيدتها وفق النموذج الخامس مسقطةً أربعة نماذج كان قد حصرها (س. موريه) في دراسته لحركات التجديد في موسيقى الشعر العربي الحديث وهذا النموذج الذي اعتمدته عائشة السيفية يقوم على على استخدام الشاعرة لبحر واحد في أسطر غير منتظمة الطول ونظام للتفعيلة غير منتظم وامتثالا لرؤية نازك الملائكة في تعريفها للشعر الحر بأنه هو شعر ذو شطر واحد ليس له طول ثابت وإنما يصح أن يتغير عدد التفعيلات من شطر إلى شطر ويكون هذا التغيير وفق قانون عروضي يتحكم فيه.
فأساس الوزن في الشعر الحر أنه يقوم على وحدة التفعيلة والمعنى البسيط الواضح لهذا الحكم أن الحرية في تنويع عدد التفعيلات أو أطوال الأشطر تشترط بدءا أن تكون التفعيلات في الأسطر متشابهة تمام التشابه ، فينظم الشاعر من البحر ذي التفعيلة الواحدة المكررة أشطراً تجري على هذا النسق :
عَلَى الحُبِّ أنْ يَتَشَظَّـى كَغَيْمٍ
يُعَاجَلُ بِالمَوْتِ إذْ يُقَتَفِيهِ
وَأنْ يَتَرَوَّى !
عَلَيْهِ بِأنْ يَسْتَفِزَّ الغُيُومَ عَلَى صَفْحَةِ العِشْقِ وَالعَاشِقَاتْ
وَأنْ يَهَبَ الرّوْحَ وَمْضَاتِهِ
عَلَّ فِيْ الحُبّ بَعْضَ التّمَنّيْ
وَعَلّ حَبِيين فِيْ سِدْرَةِ العَشْقِ يَنْتَفِضَانِ مَعَا
وَعَلَّ رَحِيلا قَدِيمَا يَعُودُ
إلَى الذّكْرَيَاتِ
ويمكننا الإشارة هنا إلى أن الدافع الحقيقي إلى استخدام هذا النموذج هو رغبة الشاعرة في استخدام التجربة مع الحالة النفسية والعاطفية، ومزجهما لكي يتآلف الإيقاع والنغم مع المشاعر الذاتية في وحدة موسيقية عضوية واحدة.
وفي جل القصائد التي وقعت بين أيدينا للشاعرة وجدناها تعتمد البحور الصافية التفعيلات تلك التي يتألف شطرها من تكرار تفعيلة واحدة ست مرات كالرمل والكامل والهزج والرجز والمتقارب والمتدارك ، كما يدخل ضمن تلك البحور مجزوء الوافر «مفاعلتن مفاعلتن» مع ظهور القافية واختفائها من حين لآخر حسب ما تقتضيه النغمة الموسيقية وانتهاء الدفقة الشعورية.
وطبقا لرؤية الدكتور عز الدين إسماعيل فإن القافية في شعر عائشة السيفية تمثل نهاية موسيقية للسطر الشعري وهي أنسب نهاية لهذا السطر من الناحية الإيقاعية ومن هنا كانت صعوبة القافية في قصائد الشاعرة وكانت قيمتها الفنية كذلك.
ولا تكلفنا الشاعرة عناء البحث عن القافية في قائمة الكلمات التي تنتهي نهاية واحدة، وإنما هي عندها كلمة «ما» من بين كل كلمات اللغة، يستدعيها السياقان المعنوي والموسيقي للسطر الشعري، لأنها هي الكلمة الوحيدة التي تضع لذلك السطر نهاية ترتاح النفس للوقوف عندها.
مَا زَالَ يَنتَحِرُ الضّيَـاعُ عَلَى مَدَائِـن قِصِّتِيْ
وَأحَارُ كَيْفَ أعُودُ دَونَ هُويّتِـيْ
تِلْكَ التِيْ رَمَّمْـتُ ذَاكِرَتِيْ
عَلَى أنْقَاضِهَـا
تِلْكَ التِيْ سَلَّمْـتُ دَفْتَرَهَـا لدَفَّـة مَرْكَبِيْ الرّاسِيْ عَلى شَط مِنَ الأوْطَـان
جِئتُ لأستَعِيْـرَ تُرَابَهَـا
وَطَنِّـيْ المُشَرَّدُ بَينَ أختَـام الوِزَارَة ..
بَيْـنَ إيْوَان الأكَاسِـرِ
إذ تَمَـاهَى فيْ فَرَادِيس الجَحِيْـم
وَطَنِـيْ المُمزّقُ بَيْن أشْلاء المَدَافِع غَابَ فِيْ أسْطُورَة رَحَلَـتْ
طُقُوسَـا مِـنْ سَديمْ..
آليات التأويل
تكتب عائشة السيفية نصوصًا تحتمل التأويل ليس ناتجا عن إيغال في دراما الغموض أو انكفاءً على الذات بل لأن الشعر هو الروح الوحيدة التي تتحرك بحرية كاملة في مجريات الكلام والخطاب والنص والتأويل والقادرة على فتح الثغرات في حقول ومستويات هذه المحطات والتحول بحرية داخلها والتخصّب بشحناتها.
إن التأويل يلازم نوعين من النصوص هما: النصوص المقدسة والنصوص الشعرية بسبب الطابع الشمولي الذي تستند إليه هذه النصوص أولا وبسبب الرغبة في جعلها نصوصا ذات طبيعة غورية باطنية.
والنص الشعري مؤول بدرجة تفوق النص المقدس لأن الدلالة العامة فيه لا تتطابق مع المدلول ولأن الطابع البلاغي للمعنى والاستعارة والكناية قد تكون صورة جمالية وليست وسيلة للوصول إلى معنى محدد.
والشاعرة عائشة السيفية تكتب نصا وفق تصميم تأويلي عبر الخيال والبلاغة يدعو القاريء لمساحة أوسع من التأويلات القرائية كان لسان حالها يقول التأويل حاضنة الشعر (نصا وقراءة) ولا شعر دون أن يكون تأويل بهذا القدر أو ذاك.
ونصوص الشاعرة تتوفر على سمات تعطي قارئها البحث عن قوانين وآليات للتأويل وفق نماذج عديدة يمكننا استخدام منهجية محمد راتب في إضاءة هذه السمة تطبيقيا على النحو الآتي :
1- الأسلوب البياني (الأدبي)، بكل ما يتميز به هذا الأسلوب، لا سيما حرصه على ترك مساحات غير مضاءة، وترك فجوات في النص، ليقوم القارئ بملئها بما يتناسب مع إمكاناته، وحالته الوجدانية.
وَطَنِيْ يُبَـاعُ وَيُشْتَـرَى
وَأجِيْءُ أحْيِيْ جُثَّتِـيْ
أبُعِثْـتُ حَقَّـا للحَيَـاة مِنَ الحَيَـاة .. ؟!
أمْ مُتُّ شَنقَـا مِنْ جَديدْ... ؟!
هَلْ خَاصَمَتْكَ الرُّوْحُ.. وَحْدَك ؟!
2- الإجمال، والتعالي عن التفصيلات والجزئيات، والاعتماد على الكليات، وعلى المنطلقات والمبادئ العامة.
الحُبّ يَأكُلُ بَعْضَنَا بَعْضَا
وَخَيْط الّليلِ يُغْدِقُ خَمْرَهُ فِيْ وَجْنَتَيْنَـا
وَالرِّمَالُ الغَضَّة العَذْرَاءُ تَلْثـُمُ دَمْعَكِ الصّوفِيّ
وَااهْ !!!
وَتَشَنَّجَتْ تِلْكَ الحِكَايَة كُلَّمَـا نَامَتْ عَلَى
وَتَرِيْ / عَلَى صَدْرِيْ
يُغَالِبُ شَهْقَـة صَامَتْ عَنِ الذّكْـرَى
فَعَادَتْ كَالأزَامِيلِ القَدِيمَـة تَشْتَرِيْ نَاقُوسَ أغْنِيَتِيْ
وَتُحْرِقُنِـيْ بِصَوْتٍ فِيْ فَرَاغِ اللاوُجُودْ
3- التفرد في استخدام اللغة بصورة شخصية وأصيلة، سواء استخدام الألفاظ بصرفها عن معناها المألوف والمتداول إلى معان مجازية، أو بابتكار صور جديدة، وأساليب وسياقات لفظية وتعبيرية.. تتولد عنها معانٍ جديدة.. وهذا ما يعرف بلغة الشاعر أو قاموسه، أو طريقته.
هُنَالِكَ حَيْفـَا وَغَزَّة تبْكـِيْ
هُنَالِكَ تَسْتَنْشِقُ الأمَّهـَاتُ الرَّوَائِحَ إذ تَتَعَرَّى الدِمَاءْ
إذَا استُبْدِلُ النّزْفُ يَوْمَا بِمَاءْ
وحتّى الصّغَارَ هُنَـاكَ يضجّونَ
بالمَوتِ... بالصّمْت ... بالهذَيَـانْ
تَصِيرُ الغُيُومُ هُنَالك جنيَّـة للسَّمَـاءْ
وتَهْطُـلُ بيْـنَ السُّهُولِ القَذائفُ
حُزْنا .. جِرَاحَا .. عَذَابَاً ، وَمَوْتَا
تَمُوْتُ الرّعُودُ عَلى صَوْتِ قِيثَارَةٍ تَسْتَغيثْ
فتُبْكِيْ السَّمَـاءَ وتحْتَضِنُ الأرْضَ
ثَلْجَـا وصَمْتَا
أبجديات الخطاب الشعري
الخطاب الشعري لدى عائشة السيفية كيان مستقل عن صاحبه وما حوله، فهو لا صلة له بالسيرة الذاتية، لأن للنص سيرته الذاتية الخاصة به، ولا صلة له بالزمانية والمكانية الخارجتين عنه، لأن له زمانيته ومكانيته الخاصتين به، وهو لا يعيد على أسماعنا سيرة صاحبه كما ظن أصحاب المنهج النفسي، وهو ليس صدى لما يتصل بحياة مؤلفه من عشق أو كره أو غير ذلك ومن ثم فقد لاحظنا أن الخطاب الشعري لدى عائشة السيفية يتكون من أربع مفردات لا خامس لها يمكن إيجازها على النحو الآتي:
(أ) قانون الانزياح تحطم عائشة السيفية اللغة العادية لتعيد بناءها، ولذلك فإن اللغة لا تكسب صفة الشعرية أو الشاعرية من دون تحقيق قدر مناسب مما صار يسمى (الانزياح) عن قانون اللغة فكل صورة شعرية تعمل على خرق قانون أو قاعدة من قواعد اللغة أو مبدأ من مبادئها الدلالية.
يُقِيمُ الحُزْنُ أضْرِحَة
وَيَقْسِمُهَا
عَلَى عِشْرِينَ خَارِطـَة
أَنَاشِيدُ الصّغَارِ تَنَامُ فِيْ أرْكَانِ بُسْتَانِيْ
في حين أن النسيج الصوتي للقصيدة وطبيعة بنيتها التركيبية وصورها الاستعارية قائمة على أساس آخر مختلف وفيه من السعة والتنوع ما في الرؤية الشعرية الحديثة نفسها من اتساع وعمق وحرية.
(ب) الأشكال الشعرية وما يرافقها من لغة جديدة وعناصر إيقاعية وسردية ودرامية ورمزية تمتلئ بها القصيدة لدى عائشة لا تمثل هدفاً نهائياً من أهداف هذه القصيدة، فهي تولد من خلال التجربة نفسها.
وَخَلْفَ سَدِيمِ غَيْمَتِنَـا
صَلَبْنـَاهَا.. هُمُومَ رَحِيلـِنَا المَاضِيْ
وَجِئنـَا نَحْرُثُ الأحْزَانَ.. نُـلْقِيْ حِمْـلَ أنْقـَاضِ
وَأيْـنَ اللّيلُ !؟ يَعْزِفُنـَا
(ج) خصائص اللغة الشعرية القائمة على التركيز ورسم الصورة وانتقاء عناصر واقعية معيّنة وتوظيفها لإغناء اللغة وتكثيف التجربة وربطها بعناصر تراثية وأسطورية واستخدام أساليب التضمين لأصوات وإشارات تعود لمرجعيات مختلفة قد أسهمت في تكوينه وإيجاد مزايا الحداثة الشعرية المفارقة فيه.
كَـانَتْ لأجْل قَوَافِلِ الشُّهَدَاءِ تَذْرِفُ رُوْحَهَا
وَلَهُـمْ... تُشَيِّع كَوْنَهَـا المَفْقُودْ !
أرْجُوْحَة تُفْضِيْ لأطْفَال الخَنَادِق
أغْنِيَـاتِ العَائِدِينْ
وَنَشِيْدُهَـا دُفّ يُغْنِيْ رِحْلَة الطُرُقَـاتِ
(اكْسِـرْ صَمْتِك المَحْدُودْ !!)
القصيدة، كما نرى، ترسم حالة وتكشف عن عاطفة إنسانية غير اعتيادية تتكئ شعريتها على ألفاظ ووقائع حسيّة وانزياحات مجازية، ولكنها لا تترافق مع انخطافات روحية وتهويمات ما ورائية مجرّدة
(د) التناص: وهو معلم هام من معالم هذا النص (السيفي) ، حيث تقوم الشاعرة بتشكيل قصيدتها من نصوص سابقة عليه أو متزامنة معه تشكيلاً وظيفياً، بحيث يغدو النص الجديد خلاصة لعدد من النصوص التي امّحت الحدود بينها وغدت نصاً متناسقاً بدلالاته متماسكاً في بنيته، و 'كل نص هو امتصاص وتحويل لكثير من نصوص أخرى، وهذا يعني أن النص إنتاج نصوص أو أشلاء نصوص معروفة وغير معروفة سابقة عليه ومتزامنة معه، وهي تشكل بقدرة شاعرة خبيرة أو صائغة ماهرة ليكون النص الشعري مفتوحا على ماضيه ومستقبله، فهو إنتاج لنصوص مختلفة (شفهية - مكتوبة- علمية- أدبية- نثرية- شعرية- دينية- مادية- قديمة- معاصرة... الخ)، وسيكون مادة يستهلكها نص آخر لاحق، وهذا يعني من جهة أخرى وفقا لوجهة نظر باحث نقدي أن النص هو الذي يصنع النص وليس غير، ويصبح النص -هنا- مرادفاً للحياة النصية، وقد سبق أن قال رولان بارت في معرض حديثه عن قراءاته في نص أورده ستاندال (فولَمُّس) : «أتذوق سيطرة الصيغ، وقلب الأصول، والاستخفاف الذي يستدعي النص السابق من النص اللاحق»، ثم يؤكد -بعد ذلك- 'تعذر الحياة خارج النص اللامتناهي سواء أكان هذا النص هوبروست، أو الصحيفة اليومية، أو الشاشة التلفزيونية، فالكتاب يصنع الحياة.
اللغة الشعرية في القصيدة العُمَانية
أبجديات الخطاب الشعري وآليّات التأويل
عائشة السيفية نموذجًا
ناصر أبو عون
منهجية القراءة / الإبداع
نميل في قراءة للمنتوج الشعري لعائشة السيفية وفق تيار المنظور الثالث الذي لا يمجّد (المحتوى) ولا يقدّس (الشكل)، بل يقرأ النصوص سواء أكانت إبداعية أو نقدية انطلاقاً من اعتبار النص جسداً كاملاً معقّداً، حتى لو تبدّى أمامنا بسيطاً.
واتكاءً على ماهية الشعر التي اتخذتها عائشة السيفية قانونا صارما تُسيّر القصيدة وفقَ منطقيته الفنية تلك الوظيفة التي يكون فيها هذا النوع الرفيع من الأدب (محاولة عمادُها الكلمات للإيحاء بالكينونة الإنسانية في حركتها الوجودية المهتزة مع اهتزاز الكلمة وصمتها).
وحين لا يكون الشاعر قادراً بوسائله الفنية والمعرفية الخاصة على ملامسة شيء من هذا التصور الصعب وذلك الفهم الوجودي الشامل لوظيفة الشعر، لا يبقى ثمة مجالٍ كبير للاستماع إليه أو الإبقاء عليه في (جمهورية الشعر)، اللهم إلا إذا اقتنعنا منه بدور المصلح الاجتماعي والأخلاقي الذي يتفق الجميع على أن لا علاقة وثيقة له بما نسميه (شعراً) في هذا العصر.
إذا كانت الحقول السيميولوجية بعلاماتها متعددة الإحاطة في الفضاء المسرحي والفضاء الدرامي فإنها صعبة الإحاطة، وخاصة في نسق القول الشعري، وخاصة في نسق الشعر الغنائي ولكن ما يقرّب السيميولوجية إلى الإفهام أنها نظام بحثي مفتوح، وأنها تلغي الحدود بين الحقول المعرفية، وتنظر إلى العالم بصفته علامات دالة، وهذا يشمل الحياة كافة وبكل مافيها من أنظمة ومشاهد.
والفضاء (مكفِ) مكوِّن أساسي من مكونات الخطاب الشعري، وهو حقل معرفي يستهدف تحليل مواضع الذوات والأطر المكانية للمواضع لإنتاج المعنى والخبرة الجمالية، والفضاء في القصيدة الغنائية اتصال وتواصل بين المرسل والمتلقي من خلال عنصرين هامين، هما أفق التوقعات أو (الكودا /(ملُ) الأولية وأفق التجربة أو (الكودا الثانوية) التي يلح عليها القارئ، ولذلك علينا أن نتوقف
عائشة بين عصرين
كانت الأجواء التي وُلِدت فيها مدرسة الحر العربية الأولى على يد الرواد الأُوَل أقل فداحةً من تلك التي عاشها ولا يزال يعيشها جيل عائشة السيفية فإذا كانت الحرب العالمية الثانية واتفاقية سايكس بيكو مزقت أوصال العالم العربي فإن عائشة شاهد على شاشات التلفزة في بث مباشر مجنزرات التتار الجُدد تجتاح أسوار بغداد والقنابل الانشطارية والذكية تلتهم أجساد الأطفال والنساء في جنوب لبنان وتناحر واقتتال الفصائل الفلسطينية خلف الجدار الفاصل في غزة.
وأضحى واقع التطور التكنولوجي يطرح عليهم دوماً أسئلة مقلقة ، ومحشورا بين تجربة الشاعر الحديث الذي يجد نفسه مضطراً، أكثر من ذي قبل، للنظر في الأشياء في جملتها وتجنُّب الغرق في الوفرة الثقافية الخادعة والوقوع في مطب التجزئة القاتلة للمعارف والأنواع الأدبية والاختصاصات الضيّقة التي يفرضها التقدم العلمي المطرّد وواقع تقسيم العمل واستخدام الآلة على نطاق واسع، وغير ذلك من حقائق تجعل من الصعب على الإنسان أن يحتفظ بسلامه الداخلي والانسجام الضروري مع نفسه والوحدة الداخلية التي يؤلف البحث عنها مرتكزاً أساسياً من مرتكزات الرؤية الشعرية الحديثة
نموذج س. موريه
تكتب عائشة قصيدتها وفق النموذج الخامس مسقطةً أربعة نماذج كان قد حصرها (س. موريه) في دراسته لحركات التجديد في موسيقى الشعر العربي الحديث وهذا النموذج الذي اعتمدته عائشة السيفية يقوم على على استخدام الشاعرة لبحر واحد في أسطر غير منتظمة الطول ونظام للتفعيلة غير منتظم وامتثالا لرؤية نازك الملائكة في تعريفها للشعر الحر بأنه هو شعر ذو شطر واحد ليس له طول ثابت وإنما يصح أن يتغير عدد التفعيلات من شطر إلى شطر ويكون هذا التغيير وفق قانون عروضي يتحكم فيه.
فأساس الوزن في الشعر الحر أنه يقوم على وحدة التفعيلة والمعنى البسيط الواضح لهذا الحكم أن الحرية في تنويع عدد التفعيلات أو أطوال الأشطر تشترط بدءا أن تكون التفعيلات في الأسطر متشابهة تمام التشابه ، فينظم الشاعر من البحر ذي التفعيلة الواحدة المكررة أشطراً تجري على هذا النسق :
عَلَى الحُبِّ أنْ يَتَشَظَّـى كَغَيْمٍ
يُعَاجَلُ بِالمَوْتِ إذْ يُقَتَفِيهِ
وَأنْ يَتَرَوَّى !
عَلَيْهِ بِأنْ يَسْتَفِزَّ الغُيُومَ عَلَى صَفْحَةِ العِشْقِ وَالعَاشِقَاتْ
وَأنْ يَهَبَ الرّوْحَ وَمْضَاتِهِ
عَلَّ فِيْ الحُبّ بَعْضَ التّمَنّيْ
وَعَلّ حَبِيين فِيْ سِدْرَةِ العَشْقِ يَنْتَفِضَانِ مَعَا
وَعَلَّ رَحِيلا قَدِيمَا يَعُودُ
إلَى الذّكْرَيَاتِ
ويمكننا الإشارة هنا إلى أن الدافع الحقيقي إلى استخدام هذا النموذج هو رغبة الشاعرة في استخدام التجربة مع الحالة النفسية والعاطفية، ومزجهما لكي يتآلف الإيقاع والنغم مع المشاعر الذاتية في وحدة موسيقية عضوية واحدة.
وفي جل القصائد التي وقعت بين أيدينا للشاعرة وجدناها تعتمد البحور الصافية التفعيلات تلك التي يتألف شطرها من تكرار تفعيلة واحدة ست مرات كالرمل والكامل والهزج والرجز والمتقارب والمتدارك ، كما يدخل ضمن تلك البحور مجزوء الوافر «مفاعلتن مفاعلتن» مع ظهور القافية واختفائها من حين لآخر حسب ما تقتضيه النغمة الموسيقية وانتهاء الدفقة الشعورية.
وطبقا لرؤية الدكتور عز الدين إسماعيل فإن القافية في شعر عائشة السيفية تمثل نهاية موسيقية للسطر الشعري وهي أنسب نهاية لهذا السطر من الناحية الإيقاعية ومن هنا كانت صعوبة القافية في قصائد الشاعرة وكانت قيمتها الفنية كذلك.
ولا تكلفنا الشاعرة عناء البحث عن القافية في قائمة الكلمات التي تنتهي نهاية واحدة، وإنما هي عندها كلمة «ما» من بين كل كلمات اللغة، يستدعيها السياقان المعنوي والموسيقي للسطر الشعري، لأنها هي الكلمة الوحيدة التي تضع لذلك السطر نهاية ترتاح النفس للوقوف عندها.
مَا زَالَ يَنتَحِرُ الضّيَـاعُ عَلَى مَدَائِـن قِصِّتِيْ
وَأحَارُ كَيْفَ أعُودُ دَونَ هُويّتِـيْ
تِلْكَ التِيْ رَمَّمْـتُ ذَاكِرَتِيْ
عَلَى أنْقَاضِهَـا
تِلْكَ التِيْ سَلَّمْـتُ دَفْتَرَهَـا لدَفَّـة مَرْكَبِيْ الرّاسِيْ عَلى شَط مِنَ الأوْطَـان
جِئتُ لأستَعِيْـرَ تُرَابَهَـا
وَطَنِّـيْ المُشَرَّدُ بَينَ أختَـام الوِزَارَة ..
بَيْـنَ إيْوَان الأكَاسِـرِ
إذ تَمَـاهَى فيْ فَرَادِيس الجَحِيْـم
وَطَنِـيْ المُمزّقُ بَيْن أشْلاء المَدَافِع غَابَ فِيْ أسْطُورَة رَحَلَـتْ
طُقُوسَـا مِـنْ سَديمْ..
آليات التأويل
تكتب عائشة السيفية نصوصًا تحتمل التأويل ليس ناتجا عن إيغال في دراما الغموض أو انكفاءً على الذات بل لأن الشعر هو الروح الوحيدة التي تتحرك بحرية كاملة في مجريات الكلام والخطاب والنص والتأويل والقادرة على فتح الثغرات في حقول ومستويات هذه المحطات والتحول بحرية داخلها والتخصّب بشحناتها.
إن التأويل يلازم نوعين من النصوص هما: النصوص المقدسة والنصوص الشعرية بسبب الطابع الشمولي الذي تستند إليه هذه النصوص أولا وبسبب الرغبة في جعلها نصوصا ذات طبيعة غورية باطنية.
والنص الشعري مؤول بدرجة تفوق النص المقدس لأن الدلالة العامة فيه لا تتطابق مع المدلول ولأن الطابع البلاغي للمعنى والاستعارة والكناية قد تكون صورة جمالية وليست وسيلة للوصول إلى معنى محدد.
والشاعرة عائشة السيفية تكتب نصا وفق تصميم تأويلي عبر الخيال والبلاغة يدعو القاريء لمساحة أوسع من التأويلات القرائية كان لسان حالها يقول التأويل حاضنة الشعر (نصا وقراءة) ولا شعر دون أن يكون تأويل بهذا القدر أو ذاك.
ونصوص الشاعرة تتوفر على سمات تعطي قارئها البحث عن قوانين وآليات للتأويل وفق نماذج عديدة يمكننا استخدام منهجية محمد راتب في إضاءة هذه السمة تطبيقيا على النحو الآتي :
1- الأسلوب البياني (الأدبي)، بكل ما يتميز به هذا الأسلوب، لا سيما حرصه على ترك مساحات غير مضاءة، وترك فجوات في النص، ليقوم القارئ بملئها بما يتناسب مع إمكاناته، وحالته الوجدانية.
وَطَنِيْ يُبَـاعُ وَيُشْتَـرَى
وَأجِيْءُ أحْيِيْ جُثَّتِـيْ
أبُعِثْـتُ حَقَّـا للحَيَـاة مِنَ الحَيَـاة .. ؟!
أمْ مُتُّ شَنقَـا مِنْ جَديدْ... ؟!
هَلْ خَاصَمَتْكَ الرُّوْحُ.. وَحْدَك ؟!
2- الإجمال، والتعالي عن التفصيلات والجزئيات، والاعتماد على الكليات، وعلى المنطلقات والمبادئ العامة.
الحُبّ يَأكُلُ بَعْضَنَا بَعْضَا
وَخَيْط الّليلِ يُغْدِقُ خَمْرَهُ فِيْ وَجْنَتَيْنَـا
وَالرِّمَالُ الغَضَّة العَذْرَاءُ تَلْثـُمُ دَمْعَكِ الصّوفِيّ
وَااهْ !!!
وَتَشَنَّجَتْ تِلْكَ الحِكَايَة كُلَّمَـا نَامَتْ عَلَى
وَتَرِيْ / عَلَى صَدْرِيْ
يُغَالِبُ شَهْقَـة صَامَتْ عَنِ الذّكْـرَى
فَعَادَتْ كَالأزَامِيلِ القَدِيمَـة تَشْتَرِيْ نَاقُوسَ أغْنِيَتِيْ
وَتُحْرِقُنِـيْ بِصَوْتٍ فِيْ فَرَاغِ اللاوُجُودْ
3- التفرد في استخدام اللغة بصورة شخصية وأصيلة، سواء استخدام الألفاظ بصرفها عن معناها المألوف والمتداول إلى معان مجازية، أو بابتكار صور جديدة، وأساليب وسياقات لفظية وتعبيرية.. تتولد عنها معانٍ جديدة.. وهذا ما يعرف بلغة الشاعر أو قاموسه، أو طريقته.
هُنَالِكَ حَيْفـَا وَغَزَّة تبْكـِيْ
هُنَالِكَ تَسْتَنْشِقُ الأمَّهـَاتُ الرَّوَائِحَ إذ تَتَعَرَّى الدِمَاءْ
إذَا استُبْدِلُ النّزْفُ يَوْمَا بِمَاءْ
وحتّى الصّغَارَ هُنَـاكَ يضجّونَ
بالمَوتِ... بالصّمْت ... بالهذَيَـانْ
تَصِيرُ الغُيُومُ هُنَالك جنيَّـة للسَّمَـاءْ
وتَهْطُـلُ بيْـنَ السُّهُولِ القَذائفُ
حُزْنا .. جِرَاحَا .. عَذَابَاً ، وَمَوْتَا
تَمُوْتُ الرّعُودُ عَلى صَوْتِ قِيثَارَةٍ تَسْتَغيثْ
فتُبْكِيْ السَّمَـاءَ وتحْتَضِنُ الأرْضَ
ثَلْجَـا وصَمْتَا
أبجديات الخطاب الشعري
الخطاب الشعري لدى عائشة السيفية كيان مستقل عن صاحبه وما حوله، فهو لا صلة له بالسيرة الذاتية، لأن للنص سيرته الذاتية الخاصة به، ولا صلة له بالزمانية والمكانية الخارجتين عنه، لأن له زمانيته ومكانيته الخاصتين به، وهو لا يعيد على أسماعنا سيرة صاحبه كما ظن أصحاب المنهج النفسي، وهو ليس صدى لما يتصل بحياة مؤلفه من عشق أو كره أو غير ذلك ومن ثم فقد لاحظنا أن الخطاب الشعري لدى عائشة السيفية يتكون من أربع مفردات لا خامس لها يمكن إيجازها على النحو الآتي:
(أ) قانون الانزياح تحطم عائشة السيفية اللغة العادية لتعيد بناءها، ولذلك فإن اللغة لا تكسب صفة الشعرية أو الشاعرية من دون تحقيق قدر مناسب مما صار يسمى (الانزياح) عن قانون اللغة فكل صورة شعرية تعمل على خرق قانون أو قاعدة من قواعد اللغة أو مبدأ من مبادئها الدلالية.
يُقِيمُ الحُزْنُ أضْرِحَة
وَيَقْسِمُهَا
عَلَى عِشْرِينَ خَارِطـَة
أَنَاشِيدُ الصّغَارِ تَنَامُ فِيْ أرْكَانِ بُسْتَانِيْ
في حين أن النسيج الصوتي للقصيدة وطبيعة بنيتها التركيبية وصورها الاستعارية قائمة على أساس آخر مختلف وفيه من السعة والتنوع ما في الرؤية الشعرية الحديثة نفسها من اتساع وعمق وحرية.
(ب) الأشكال الشعرية وما يرافقها من لغة جديدة وعناصر إيقاعية وسردية ودرامية ورمزية تمتلئ بها القصيدة لدى عائشة لا تمثل هدفاً نهائياً من أهداف هذه القصيدة، فهي تولد من خلال التجربة نفسها.
وَخَلْفَ سَدِيمِ غَيْمَتِنَـا
صَلَبْنـَاهَا.. هُمُومَ رَحِيلـِنَا المَاضِيْ
وَجِئنـَا نَحْرُثُ الأحْزَانَ.. نُـلْقِيْ حِمْـلَ أنْقـَاضِ
وَأيْـنَ اللّيلُ !؟ يَعْزِفُنـَا
(ج) خصائص اللغة الشعرية القائمة على التركيز ورسم الصورة وانتقاء عناصر واقعية معيّنة وتوظيفها لإغناء اللغة وتكثيف التجربة وربطها بعناصر تراثية وأسطورية واستخدام أساليب التضمين لأصوات وإشارات تعود لمرجعيات مختلفة قد أسهمت في تكوينه وإيجاد مزايا الحداثة الشعرية المفارقة فيه.
كَـانَتْ لأجْل قَوَافِلِ الشُّهَدَاءِ تَذْرِفُ رُوْحَهَا
وَلَهُـمْ... تُشَيِّع كَوْنَهَـا المَفْقُودْ !
أرْجُوْحَة تُفْضِيْ لأطْفَال الخَنَادِق
أغْنِيَـاتِ العَائِدِينْ
وَنَشِيْدُهَـا دُفّ يُغْنِيْ رِحْلَة الطُرُقَـاتِ
(اكْسِـرْ صَمْتِك المَحْدُودْ !!)
القصيدة، كما نرى، ترسم حالة وتكشف عن عاطفة إنسانية غير اعتيادية تتكئ شعريتها على ألفاظ ووقائع حسيّة وانزياحات مجازية، ولكنها لا تترافق مع انخطافات روحية وتهويمات ما ورائية مجرّدة
(د) التناص: وهو معلم هام من معالم هذا النص (السيفي) ، حيث تقوم الشاعرة بتشكيل قصيدتها من نصوص سابقة عليه أو متزامنة معه تشكيلاً وظيفياً، بحيث يغدو النص الجديد خلاصة لعدد من النصوص التي امّحت الحدود بينها وغدت نصاً متناسقاً بدلالاته متماسكاً في بنيته، و 'كل نص هو امتصاص وتحويل لكثير من نصوص أخرى، وهذا يعني أن النص إنتاج نصوص أو أشلاء نصوص معروفة وغير معروفة سابقة عليه ومتزامنة معه، وهي تشكل بقدرة شاعرة خبيرة أو صائغة ماهرة ليكون النص الشعري مفتوحا على ماضيه ومستقبله، فهو إنتاج لنصوص مختلفة (شفهية - مكتوبة- علمية- أدبية- نثرية- شعرية- دينية- مادية- قديمة- معاصرة... الخ)، وسيكون مادة يستهلكها نص آخر لاحق، وهذا يعني من جهة أخرى وفقا لوجهة نظر باحث نقدي أن النص هو الذي يصنع النص وليس غير، ويصبح النص -هنا- مرادفاً للحياة النصية، وقد سبق أن قال رولان بارت في معرض حديثه عن قراءاته في نص أورده ستاندال (فولَمُّس) : «أتذوق سيطرة الصيغ، وقلب الأصول، والاستخفاف الذي يستدعي النص السابق من النص اللاحق»، ثم يؤكد -بعد ذلك- 'تعذر الحياة خارج النص اللامتناهي سواء أكان هذا النص هوبروست، أو الصحيفة اليومية، أو الشاشة التلفزيونية، فالكتاب يصنع الحياة.